عبدالعزيز بن ناصر الجليلالحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، وبعد:
إنه لا يخفى ما تمر به بلدان المسلمين من تغيرات خطيرة وسريعة وذلك ضمن مخطط إفسادي كبير على العقيدة، والشريعة، والأخلاق، والمرأة، والاقتصاد ظهرت بعض أثاره اليوم على حياة الناس في بيوتهم، ومدارسهم، ومجتمعاتهم، وأموالهم، وأخلاقهم وبعضها في الطريق إلى التنفيذ.
ومشاركة مع إخواني الدعاة الذين أقلقهم هذا الخطر وراحوا يبحثون عن كل ما من شأنه مدافعة هذا الخطر وصده عن المسلمين أكتب هذه الخواطر السريعة التي كانت محل تفكير وحوار والتي أحسبها تسهم في إيجاد مشروع تحصيني وقائي لأسرنا ومجتمعاتنا أمام هذا الخطر الداهم أسأل الله _عز وجل_ أن يلهمنا صحة الفهم وحسن القصد: فأقول وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وهو رب العرش العظيم.
يقول الله _تبارك وتعالى_:
"وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ " (سورة البقرة: 251)، ويقول _عز وجل_: "فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ" (سورة هود: 116)، ويقول _سبحانه_: "وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" (سورة آل عمران: 104).
ويقول الرسول _صلى الله عليه وسلم_:
" لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليعمنكم الله بعقاب".و إنفاذاً لهذه التوجيهات الإلهية والنبوية يجب على أهل الغيرة والإصلاح أن ينفروا لمدافعة هذه المخططات الإفسادية وصدها عن المسلمين قدر المستطاع، وأرى أن تتم هذه المدافعة عبر جبهتين رئيستين.
الجبهة الأولى: جبهة الاحتساب:
والإنكار المباشر لمظاهر الفساد منذ بدايتها أو السماع بالتخطيط لها وذلك بمناصحة الأشخاص المنظرين أو المنفذين لها، والإنكار عليهم شفاها، ومكاتبة، ومخاطبة أهل الحل والعقد في البلد وإظهار الامتعاض، والإنكار وهذا أمر يجب أن ينفر له طائفة معينه وهم أهل العلم من المشائخ والقضاة وطلبة العلم والوجهاء. وذلك يتطلب تعاونا وتشاوراَ بين أهل العلم في كل مدينة وأن يكون هناك مجالس وتوزيع للأدوار والجهود. كما يتطلب جهات مساندة تهيئ لهم المعلومات والوثائق وحصر ما يجد من منكرات ومعلومات وترتيبها وتنظيمها، وأحسب أن هذه الجبهة قائمة الآن ولا تزال في مراحلها الأولى ولكنها _بحمد الله تعالى_ في تطور وتوسع.
الجبهة الثانية: جبهة التحصين والوقاية للمجتمع من الفساد:
وأحسب أنه لازال هناك تقصير شديد في هذه الجبهة مع أن الثمار المرجوة منها كثيرة جداً واستجابة الناس لها كبيرة والحمد لله ولا يعني هذا التقليل من جهود القائمين في الجبهة الأولى - حاشا لله- فهم تاج الرؤوس وأعمالهم لن تضيع عند الله _عز وجل_ إن شاء الله تعالى، وحسبهم أن يفوزوا بالإعذار عند الله _عز وجل_ وإبراء الذمة إذا حوسبت الذمم،مع ما تثمره جهودهم من مرا غمة أهل الفساد والتخفيف أو التأخير لبعض المنكرات، وإنما المقصود أن لا تنسى جبهة التحصين والوقاية التي قد تكون أكثر ثمرة وآثارا.
وبخاصة أن المتحركين من المصلحين في الجبهة الثانية يمتلكون وسائل كثيرة ومجالات متعددة في مخاطبة الناس وتحذيرهم وتحصينهم لا يملكها غيرهم. ولو وظفت التوظيف الصحيح وتضافر الغيورون والمصلحون في تنفيذها وتوزعت الأدوار فيها لكان لها نتائج باهرة تحبط على المفسدين أهدافهم وترد كيدهم في نحورهم.
وفي هذه الورقة بعض المقترحات في تفعيل دور هذه الجبهة وكيفية الاستفادة من الوسائل الكبيرة المتاحة في مخاطبة المجتمع وتوجيه الناس.
ومن نافلة القول أن نشبه سيل الفساد المسلط على مجتمعات المسلمين وتنوع الناس في مقاومته بسيل جارف ينتهي إلى تغريق أراضي وعمران ودور. وأصحابها يعلمون أنه سيخرب دورهم ومزارعهم وأموالهم فانقسموا إلى فرقتين.
الأولى: فرقة رأت أن لا خلاص من خطر هذا السيل إلا أن يهب الجميع في قطعه من منبعه وأصله فتعذر ذلك غاية التعذر، وأبت طبيعة السيل وقوته عليهم ذلك فكلما سدوه من موضع نبع من موضع آخر وأنشغل أهل القرية بشأن هذا الوادي عن الزراعات والعمارات وغرس الأشجار وتحصين البيوت، ويمكن أن يكون في عمل هذه الفرقة تخفيف لشدة السيل أو سد لبعض منابعه لكن لا يمنعه عن بيوت الناس وممتلكاتهم.
الثانية: رأت أن صرف الجهود كلها في عمل الفرقة الأولى قد أضاع عليهم كثير من المصالح ولم يستطيعوا منع السيل فاتجهوا إلى بيوتهم في تقويم أساسها وقواعدها ورفع أسوارها عن مجرى السيل كما اتجهوا إلى صرف سيل الوادي عن مجراه المنتهي إلى البيوت والعمران وذلك بتحذير الناس من شره القادم وبتوجيه الناس إلى أن يحصنوا بيوتهم من هذا السيل ويتضافر الجمع على صرفه عن بيوتهم وعمرانهم إلى الرمال المحيطة بهم أو السبخات أو الحفر التي يجد السيل فيها مصرفا له يضيع فيه ويتفرق.
والمقصود من إيراد هذا المثال التأكيد على أهمية العمل في جبهة التحصين والوقاية للناس والمجتمعات من سبل الفساد الموجهة إليهم وأن يعطى حقه من الاهتمام مع بذل الجهد من أهل العلم في الجبهة الأولى وذلك بالاحتساب على المفسدين ولو للتخفيف أو التأخير وأهم من ذلك إبراء الذمة والإعذار إلى الله _عز وجل_، والمقصود توزيع الأدوار وأن لا ينشغل الدعاة بجبهة عن جبهة.
وأسوق فيما يلي ما يحضرني من الوسائل القوية التي يملكها المصلحون من الدعاة وطلبة العلم ولا يملكها غيرهم من المفسدين. وكيف يمكن تفعيلها وتنشيطها وتوظيفها.
الوسيلة الأولى: المنابر الدعوية:
ويقصد بها تلك المنابر التي يخاطب فيها فئام من الناس على مختلف شرائحهم ويحصل من خلالها تحذير الناس ووعظهم وبيان خطر المنكرات على الفرد والبيت والمجتمع وبيان ذلك بالفتاوى الشرعية المستندة إلى الأدلة الشرعية.ويدخل تحت مسمى المنابر الإعلامية ما يلي:أ- خطبة الجمعة: حيث أثرها العظيم على الناس ومما تتميز به دقة الإنصات من السامعين وتركيزهم على ما يقال فيها وهذه المنابر نعمة من نعم الله _عز وجل_ على المسلمين ووسيلة عظيمة الفائدة يمتلكها الدعاة إلى الله _عز وجل_ ولا يملكها المفسدون. وأقترح لتفعيل دور الخطبة واستثمارها في إصلاح الناس وتبغيض الفساد والمنكرات لهم النقاط التالية:
أولاً: إيجاد رابطة مستمرة بين الخطباء في كل حي تجتمع في كل أسبوع، وذلك للتنسيق وتبادل الخبرات وتبادل الخطب وتحديد المواضيع المهمة للخطبة وترتيب الأولويات في ذلك. كما يقترح رابطة أوسع للخطباء على مستوى المدينة وذلك في كل شهر مرة وذلك لتوسيع دائرة التشاور وتنسيق الجهود.
ثانياً: يتفرغ أناس لجمع الخطب الجيدة القديم منها والجديد والتي يحتاج إليها المجتمع وطبعها وجعلها في متناول الخطباء ليرجعوا إليها في كتابة الخطبة.
ثالثاً: يتفرغ أناس لجمع الفتاوى القديمة والجديدة للعلماء والتي يبين فيها أهل العلم الحكم في المنكرات القديمة والجديدة التي تعشعش بين المسلمين أو هي في بدايتها وذلك لرفضها من الناس ومقاطعتها وتزويد الخطباء بها لقراءتها على الناس.
رابعاً: التعاون مع القائمين على إذاعة القرآن بالاقتراح عليهم تسجيل بعض الخطب المهمة التي يتفق عليها سلفاً لتذاع على الناس وتكرر عليهم.
خامساً: طبع الخطب الجيدة والمهمة في رسائل صغيرة وتوزيعها مجاناً أو بيعها بسعر رمزي.
سادساَ: الحرص من محلات التسجيلات على تسجيل الخطب المهمة ونشرها بين الناس وأن يصاحب ذلك تغطية من الدعاية الجيدة والتسويق القوي.
سابعاَ: يفعل دور أئمة المساجد وحلقات التحفيظ في توزيع أشرطة الخطباء الجيدة على بيوت الحي.
ب- الدروس والمحاضرات والجولات الوعظية: وهذه من الوسائل المهمة التي لو رتبت مواضيعها وأماكنها وأوقاتها لظهر لها وقع عظيم في تحصين الناس ووقايتهم من الفساد، وهي _والحمد لله_ كثيرة ومنتشرة، ولكن تحتاج إلى تفعيل وتنشيط وتنظيم لكي يكون أثرها أكبر مما هي عليه الآن، ومن الوسائل المقترحة لتفعيلها ما يلي:
أولاً: اختيار المواضع المهمة للمحاضرات والدروس أو توظيف الدروس في مخاطبة الناس ووعظهم وتحذيرهم من المنكرات سواء كان ذلك عندما يأتي مناسبة في الدرس أو تخصيص آخر الوقت في الدروس للحديث عن المنكرات والتحذير منها أو تعد أسئلة مهمة تطرح على الشيخ ليجيب عليها في نهاية الدرس ويركز على مظاهر الفساد والموقف منها.
ثانياً: تحريك بعض طلبة العلم المؤثرين بما عندهم من العلم والديانة والبلاغة في أن يشاركوا وينفروا وأن يعيدوا النظر في سلبيتهم بحجة الورع البارد.
ثالثاً: التنسيق مع إذاعات القرآن والقنوات الإسلامية بنقل الدروس والمحاضرات المهمة في إذاعة القرآن.
رابعاً: مساعدة المحاضر في جمع المادة العلمية والفتاوى المهمة التي يستخدمها في إقناع الناس برفض الفساد وتحريمه ومقاطعته.
خامساً: قيام محلات التسجيل بتسجيل مثل هذه الدروس والمحاضرات المهمة والدعاية له وتسويقها بين الناس.
سادساً: نشر هذه المحاضرات في بيوت الحي عن طريق مساجد الحي وحلقات التحفيظ ودعمهم مادياً.
سابعاً: يحسن أن يكون هناك رابط أسبوعي أو شهري بين طلبة العلم الذين يقومون بالدروس والمحاضرات للتنسيق بينهم والتشاور في المواضيع المطروحة.
و الكثير من الأفكار الٌتي تهدِفُ لِنَصْرة الدِّين